Wednesday 15 June 2011

التدريب بين الصناعة والتجارة


by هاني باحويرث on Sunday, 17 October 2010 at 07:41


لا يخفى على الجميع ما للتدريب من أهمية في تطوير المهارات والمعلومات والتوجهات وغيرها. ويعتبر المتخصصون الصناعيون في المجال التدريبي أن التدريب بأنواعه وأساليبه المختلفة هو المنقذ للدول والمؤسسات والأفراد من الفوهة التي باتت تتسع بين مجال العمل ومخرجات التعليم العام أو العالي. والتي تعود أسبابها إلى الزيادة المتسارعة والملحوظة في كمية ونوع المعلومات في عصر أبرز سماته المعرفة وبطء الإستجابة من أنظمة ومؤسسات التعليم. والسبب في هذا البطء أن المقررات الدراسية والأكاديمية مطبوعة في السنوات التي تسبق دخول المتعلم الصرح التعليمي وتوقع زائف أنها سوف تبقى ثابتة راكدة إلى سنة تخرج ذاك الشاب الطموح للعمل والبناء. ويعود هذا البطء في الاستجابة أيضا إلى تكدس العمليات الإدارية والإجتماعات الشكلية والروتين ومحدودية الميزانيات.
فمثلا: في حال أنهم انتهوا من دراسة قرار التجديد والتطوير وطبع الكتب وتأهيل المدرسين وتوزيع المقرارات وما يترتب على التغيير من مقاومة، وأثناء المرور عبر هذه المراحل سوف يكتشف الجميع أن المعرفة انتقلت إلى مرحلة جديدة وهكذا في سباق مستمر. لذا باتت الحاجة إلى التأقلم المستمر ووضع أنظمة مستجيبة وشجاعة مع التدريب مطلب ملح ومهم وإلا سوف نبقى حيث نحن ومن هنا انبثق أهمية التدريب والبرامج التدريبية كمساند في ردم الفوهة لأن التدريب سريع الاستجابة للمستجدات . وهذا يُرى صداه في حرص الدول المتقدمة إلى بناء مؤسسات تدريبية ومدربين متخصصين لمساندة انظمة التعليم وتأهيل المتعلمين. بناء على احصائية بريطانية، سوق التدريب البريطاني انفق 33 مليار جنيه استرليني في سنة واحدة فقط...نعم 33 مليار جنيه استرليني.. بعد دراسة حجم انفاق الحكومة والشركات والأفراد على التدريب بأنواعه، وأمريكا الشمالية تنفق مليار دولار في الدورات القيادية فقط ناهيك عن اجمالي التدريب العام في المجالات المختلفة
ومع هذه الحاجة الملحة للتدريب والتي ألقت بصداها على عالمنا العربي وكالعادة في مستوى تعاملنا مع كل ماهو جديد فلا أنسى أن أذكر تلك المقولة التي تقول أن "الافكار تظهر في فرنسا ويسوق لها في بريطانيا وتطور في امريكا وتموت في الدول العربية" وأتذكر أيضاً حالنا في تعاملنا مع البرمجة اللغوية العصبية وغيرها من الفنون بغض النظر عن تأييدها من مخالفتها ولكن ما أن سمعنا بها فانقسم الناس بين معارض (لم يعرف ماهية البرمجة) ومؤيد (لم يطبق ويفحص ويهذب بل يروج ويسوق) وهكذا الحال مع دورات أخرى من أمثال مهارات التفكير الـ 60 في برنامج الكورت التي مافتئ المدربون أن يدربوها. وهنا أتسائل هل من الممكن أن تكون 70 أو 80 ؟؟ ومن سيكون لديه الشجاعة في أن يطبق مهارات التفكير الابداعي والانتقادي الذي يدربها لغيره ليبدع لنا حزمة مهارات تفكير جديدة ؟؟ وأيضا تساءلت يوما ما لماذا عادات الناس أصحاب الفعالية العالية سبع؟؟ لماذا لا تكون ثمانية أوتسع أو حتى عشر؟؟ إلى أن أخرج لنا استيفن كتابه العادة الثامنة وسوف ننتظر العادة التاسعة من ستيفن كوفي ليصدرها لنا وفي هذا الأثناء سوف يكتفي الجميع في استهلاك الموجود
وهذا قادني إلى أن أتساءل
هل التدريب صناعة أم تجارة؟؟
المشاهد للسوق التدريبي حولنا يجد مئات الإعلانات ومئات المدربين ومئات دورات تدريب المدربين وكأنها أصبحت ظاهرة وباتجاه عكسي باتت الشرائح المستهدفة تشكك في أهمية التدريب فمنهم من يقول " وهم" وآخر يقول "كلام في كلام" إلى آخر القائمة، ناهيك أني كمهتم أرى مراكز تستهدف أبناء الذوات والحسب والنسب في تصميم برامج لامعه وذات ألوان صاخبة ومنمقة العبارات ولكن محتواها العلمي التدريبي ليس مبني على فلسفة تدريبية واضحة ولا نظرية تربوية محددة ومشرفيها ليس من المتخصصين في الفئة العمرية التي سوف يتعامل معها و لا في المادة التدريبية التي يدربها.
دعونا نستعرض سوياً الفرق (من وجهة نظري الآن) بين المدرب التجاري والمدرب الصناعي أو المركز التدريبي التجاري والمركز التدريبي الصناعي
المدرب التجاري
هو في الغالب يعتمد على ترتيب معلومات مادته التدريبية من قراءة مجموعة من الكتب والحقائب التدريبية الجاهزة، ومن ثم يقوم بتلخيصها بغض النظر عن تمحيصها ومناقشتها وتطبيقها في حياته ومدى مناسبتها لبيئته من عدمه. والمدرب التجاري عادة يميل إلى فرض سلطته التدريبية بالألقاب العلمية أو المهنية كخبير ومدرب دولي ومدرب عابر القارات والمحترف والذي درب الالاف والمستشار... الخ التي لا حصر لها في الساحة التدريبية (ولي مقال سابق في الالقاب العلمية). والمدرب التجاري تجده يركز أكثر على تزيين مادته من الناحية الشكلية في المكان والزمان والتغليف ونوع وعدد الشهادات والاعتمادات ومكانها ونوع البوفيه وغيره...الخ، إلا أني لم أكن أتصور أن أسمع بمن حضر دورة لمدة لا تزيد عن خمس أيام وحصل على 10 شهادات نعم 10 شهادات وبل المشرف على الدورة جهة ومركز تدريبي معروف...فما أرخص الورق. كذلك المدرب التجاري متشتت في كل فن وعلم ويدرب مايقع بين يديه من دورات إدارية ونفسية وتربوية وتطويرية وتقنية...الخ ومع أي فئة كبار، صغار، موظفين، شباب، نساء، رجال. وهذا ينطبق أيضاً على بعض المراكز التي أسميها المراكز التدريبية التجارية التي لا تحمل هوية تخصصية محددة ولا بحثية بل هي أشبه ماتكون وكالة تسويق واعلان ودعاية، فلا أبحاث تصدر ولا إحصائيات تنشر ولا مقالات تكتب ولا توجد لديها مكتبة مطبوعة ولا مسموعة ويديرها غير متخصصين.
أما المدرب الصناعي
هو في الغالب يشارك في صناعة معلومة مادته التدريبية بالبحث والتنقيب والتقصي. فهو يحمل هوية الباحث والمحلل والناقد ولا يكتفي بتعبئة مجموعة من شرائح العرض بأجمل العبارات وأنقى الصور، بل يضع ويصمم نماذجه وأفكاره وفرضياته بعد بحثها واختبارها وتقنينها. وهذا النوع من المدربين يفرض سلطته من معلوماته، وقوته من تمكنه العلمي وسنواتخبرته في مجال المادة التدريبية. لذى تجد المدرب الصناعي في الغالب مركز في مادة تدريبية أو اثنتان وعلى مدى بعيد من الاحتضان والتفكير والبحث وحضور المؤتمرات. وانظر إلى كبار التدريب في الغرب تجده مركز وصانع وباحث. أحد المدربين البريطانيين يدرب مادة واحدة فقط لمدة 20 سنة لذا ألف فيها 3 كتب يتضح فيها فكره ورؤيته وأمثلته. وكذلك الأسماء اللامعة في عالم التدريب الغربي وشمال أمريكا.. ولك حق المقارنة!!! وهذا ينطبق أيضا على مراكز التدريب الصناعية هناك التي يديرها متخصصون يبحثون في كل جديد حول مادتهم، فهم محددون وواضحون ومتمرسون لذا تجد مخرجات هذا النوع من المراكز ليس دورات وفقط بل كتب ومنشورات واحصائيات ومقالات ومؤتمرات وغيرها
أخيراً:
هل سيموت التدريب في العالم العربي؟ أم سيبقى على حالته في النقل والتجارة؟ أم سيبرز المتخصصون ليصنعون (هويتنا التدريبية الإسلامية العربية)؟؟
فأرجوكم نريد صناعة لا تجارة


No comments:

Post a Comment